الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَمَن يَهْدِ الله} فيجعل كونه تعالى كافيًا نصيب عينه عاملًا بمقتضاه {فَمَا لَهُ مِن مُّضِلّ} يصرفه عن مقصده أو يصيبه بسوء يخل بسلوكه إذ لا راد لفعله ولا معارض لإرادته عز وجل كما ينطق به قوله تعالى: {أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ} غالب لا يغالب منيع لا يمانع ولا ينازع {ذِى انتقام} ينتقم من أعدائه لأوليائه، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتحقيق مضمون الكلام وتربية المهابة.{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} لظهور الدليل ووضوح السبيل فقد تقرر في العقول وجوب انتهاء الممكنات إلى واجب الوجود، والاسم الجليل فاعل لفعل محذوف أي خلقهن الله {قُلْ} تبكيتًا لهم {أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِىَ الله بِضُرّ هَلْ هُنَّ كاشفات ضُرّهِ} أي إذا كان خالق العالم العلوي والسفلي هو الله عز وجل كما أقررتم فأخبروني أن آلهتكم أن أرادني الله سبحانه بضر هل هن يكشفن عني ذلك الضر، فالفاء واقعة في جواب شرط مقدر؛ وقال بعضهم: التقدير إذا لم يكن خالق سواه تعالى فهل يمكن غيره كشف ما أراد من الضر، وجوز أن تكون عاطفة على مقدر أي أتفكرتم بعد ما أقررتم فرأيتم ما تدعون. إلخ.{أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ} أي أو أن أرادني بنفع {هَلْ هُنَّ ممسكات رَحْمَتِهِ} فيمنعها سبحانه عني.وقرأ الأعرج وشيبة وعمرو بن عبيد وعيسى بخلاف عنه وأبو عمرو وأبو بكر {كاشفات} بالتنوين فيهما ونصب ما بعدهما وتعليق إرادة الضر والرحمة بنفسه التفيسة عليه الصلاة والسلام للرد في نحورهم حيث كانوا خوفوه معرة الأوثان ولما فيه من الإيذان بامحاض النصحية، وقدم الضر لأن دفعه أهم، وقيل: {كاشفات} على ما يصفونها به من الأنوثة تنبيهًا على كمال ضعفها {رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ الله} كافي جل شأنه في جميع أموري من إصابة الخير ودفع الشر.روي عن مقاتل أنه صلى الله عليه وسلم لما سألهم سكتوا فنزل ذلك.{عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ} لا على غيره في كل شيء {المتوكلون} لعلمهم أن كل ما سواه تحت ملكوته تعالى.{قُلْ يا قَوْمٌ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} على حالتكم التي أنتم عليها من العداوة التي تمكنتهم فيها فإن المكانة نقلت من المكان المحسوس إلى الحالة التي عليها الشخص واستعيرت لها استعارة محسوس لمعقول، وهذا كما تستعار حيث وهنا للزمان بجامع الشمول والإحاطة، وجوز أن يكون المعنى اعملوا على حسب تمكنكم واستطاعتكم.وروي عن عاصم {مكاناتكم} بالجمع والأمر للتهديد، وقوله تعالى: {مَكَانَتِكُمْ إِنّى عامل} وعيد لهم واطلاقه لزيادة الوعيد لأنه لو قيل: على مكانتي لتراءى أنه عليه الصلاة والسلام على حالة واحدة لا تتغير ولا تزداد فلما أطلق أشعر بأنه له صلى الله عليه وسلم كل زمان مكانة أخرى وأنه لا يزال يزداد قوة بنصر الله تعالى وتأييده ويؤيد ذلك قوله تعالى: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} فإنه دال على أنه صلى الله عليه وسلم منصور عليهم في الدنيا والآخرة بدليل قوله تعالى: {مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} فإن الأول اشارة إلى العذاب الدنيوي وقد نالهم يوم بدر والثاني إشارة إلى العذاب الأخروي فإن العذاب المقيم عذاب النار فلو قيل إني عامل على مكانتي وكان إذ ذاك غير غالب بل الأمر بالعكس لم يلائم المقصود، و{مِنْ} تحتمل الاستفهامية والموصولية وجملة {يُخْزِيهِ} صفة {عَذَابِ} والمراد بمقيم دائم وفي الكلام مجاز في الظرف أو الإسناد وأصله مقيم فيه صاحبه.{إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب لِلنَّاسِ} لأجلهم فإنه مناط مصالحهم في المعاش والمعاد {بالحق} حال من مفعول {أَنزَلْنَا} أو من فاعله أي أنزلنا الكتاب ملتبسًا أو ملتبسين بالحق {فَمَنُ اهتدى} بأن عمل بما فيه {فَلِنَفْسِهِ} إذ نفع به نفسه {وَمَن ضَلَّ} بأن لم يعمل بموجبه {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} لما أن وبال ضلاله مقصور عليها {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} لتجبرهم على الهدى وما وظيفتك إلا البلاغ وقد بلغت أي بلاغ. اهـ.
|